رواية (أشباح بروكسل) .. رؤية استشرافيّة وجرأة في طرح علاقة الشرق بالغرب
abruxellesإنَّ رواية (أشباح بروكسل.. ربيع القتلة)، للكاتب المصري محمد بركة، تجسيدٌ حقيقيٌّ لِما يمكن للعقل أن ينتجه وللخيال أن يتأمله والروح أن تتذوَّقه، حيث إن هناك صُحفا ونقّادا عربا سلّطوا عليها الضوء لسبب طرحها العديد من الإشكاليات الخاصة بالتشوّهات التى ترسّخت في الذهنيّة العربيّة في رؤيتها لذاتها وللآخَر.
وتسجل الرواية رحلة مكاوي الذي سافر إلى بروكسل في مهمة عمل ويسيطر عليه شعور بأنه "منفي"، الأمر الذي يجعله منذ البداية يتعامل مع مهمة العمل باعتبارها عبئا يثقل كاهله طوال الوقت مما يفسح أمامه المجال لسرد تفاصيل أكثر عن الحياة في بلجيكا، الطبيعة والمباني ونمط الحياة والسكان، سواء الأصليين أو المهاجرين، خاصة من دول الشرق الأوسط.
قدّم الكاتب أيضًا عرضًا دراميًّا للعلاقة بين الشرق والغرب ورؤية كلّ منهما للآخر من خلال خبرته مع اللاجئين العرب في بلجيكا ونظرة البلجيكين للعرب. وفى تقديمه لهذا الواقع لم يلجأ لتجميل طرف أو تقبيح طرف آخر؛ بل قدّم تحليلًا موضوعيًّا، حيث أراد أن يرسل برسالة مضمونها أنّ الموضوعيّة في تشخيص أمراض وعلّات المجتمع هى الأساس لوضع روشتة علاجيّة ناجعة.
نرى أنّ الكاتب قدّم ثنائية: حيث الحوار/ الصدام، تيار نخبوى متسامح مقابل تيار شعبى مشوّه داخليا وخارجيًّا. قدّم التّيار المتسامح، وهو تيّار نخبوى ثانى في الحضارة العربيّة، مجسّدًا في شخصيّة مكاوى، ذاك الحالم المتسامح مع نفسه ومع الآخر.
نرى أنّ الكاتب قدّم ثنائية: حيث الحوار/ الصدام، تيار نخبوى متسامح مقابل تيار شعبى مشوّه داخليا وخارجيًّا. قدّم التّيار المتسامح، وهو تيّار نخبوى ثانى في الحضارة العربيّة، مجسّدًا في شخصيّة مكاوى، ذاك الحالم المتسامح مع نفسه ومع الآخر.
مكاوي غارق معظم الوقت في تساؤلات الهوية والمقارنة بين القاهرة وبروكسل، بين المدينة المشمسة المزدحمة التي تركها مكرها ونظيرتها الأوروبية ذات الطقس البارد والنظام الدقيق.
وفي بروكسل يلتقي مكاوي مع المصورة الإيطالية كارلا التي يرتبط بها وتمثل له ملاذاً آمناً من خيبات تركها خلفه في الوطن وأخرى يعيشها مجبراً في بلد غريب يعلم أن إقامته فيها لن تدوم.
وبالتوازي مع رحلة مكاوي الشخصية تنطلق رحلة أخرى يفرضها واقع جديد أخذ يتشكل في أوروبا وهي رحلة اللاجئين الذين بدأوا في التوافد بطرق غير شرعية من دول تطحنتها الحروب والصراعات وعبروا الحدود البحرية والبرية بحثا عن بدايات جديدة في عالم أكثر إنسانية.
ينخرط مكاوي في هذه الظاهرة الجديدة من خلال تحقيق صحفي يجريه لصحيفته القاهرية، فإذا بالرواية تغوص في عالم غريب يكتنفه الغموض والقلق والحزن عن بشر فروا من جحيم التفجيرات والعنف إلى لهيب شبكات التهريب والاتجار في البشر.
ومع وقوع هجوم على مفاعل نووي بشمال بلجيكا تنقلب البلاد رأساً على عقب وتبدأ حملة مداهمات أمنية تشمل كل مكان حتى البناية التي يسكن فيها مكاوي وتتصاعد الأحداث حتى يصبح هو شخصيا في دائرة الخطر.
تبحث الشرطة عن متطرفين شكلوا خلايا كامنة في أوروبا وتبدأ مرحلة الفرز والفحص لكل عربي، وهو ما يحيل القارئ تلقائياً إلى اسم الرواية (أشباح بروكسل).
يطرح الكاتب رؤية استشرافيّة لما يمكن أن تكون عليه العلاقة بين الغرب والشرق، لنا أن نفخر بإبداع، محمد بركة، وجرأته في طرح علاقة الشرق بالغرب من خلال هذا القالب الساحر من الأدب والحميميّة في الاقتراب من الإنسان والمكان.
ورغم أن "الأشباح" في الرواية تحتمل التأويل بين الشخصيات التي قابلها مكاوي منذ وطأت قدماه بروكسل ولم يستطع التكيف معها أو الشخصيات التي تركها خلفه في مصر وظلت تطارده داخل عقله ومنها طليقته وابنته، إلا أن المؤلف محمد بركة يؤكد أن "الذئاب المنفردة" هي المقصودة بشكل أساسي من عنوان العمل.
المصدر: رويترز